يُعرف الخط العربي بأنّه فن الكتابة في جميع اللغات التي تستخدم الحروف العربية وليس فقط اللغة العربية، وتتميز هذه الخطوط بإمكانية اكتسابها أشكالاً هندسية مختلفة من خلال المد والرجع والاستدارة والتزوية والتشابك والتداخل والتركيب وغيرها من قواعد الزخرفة والتزيين، وعادةً ما كانت تُستخدم الخطوط العربية في تزيين المساجد والقصور وكتابة الصحف، وتجميل مناظر المخطوطات والكتب وألواح الرخام والخشب وغيرها، وقد بدأ ظهور هذه الخطوط العربية منذ ظهور الأبجدية والأحرف العربية حيث قام العديد من العرب والعثمانيين والعباسيين وغيرهم بالتطوير والإبداع في الكتابات والخطوط على مر العصور وصولاً إلى يومنا هذا.
تاريخ الخط العربي
يمكننا تلخيص تاريخ الخط العربي بأهم الفترات والعصور التي مر بها هذا الخط والتي أثرت به وزادت من إنتشاره أو زيادة أنواعه وأشكاله.
الفترة الأولى كانت في العصر الجاهلي، حيث كانت بدايات الخط العربي قبل الإسلام باعتباره فناً من الفنون، وقد كانت النقوش قبل الإسلام التي وصلت إلينا عبارة عن خطوط كوفية، ويمكن القول أنّ انتقال الكتابات القديمة لمرحلة الأحرف تعود إلى الدولة الفينيقية منذ أكثر من ثلاثين قرناً، وبعدها تفرعت الحروف الفينيقية إلى ستة فروع وهي : التدمري، والهندي، والفهلوي، والعبري السرياني، والعبري المربع، والفارسي، وقد تطور الخط السرياني ونشأ عنه خطين وهما : الخط الحميري، والخط النبطي الذي تطور إلى الخط العربي.
أما الفترة الثانية فقد كانت البداية الفعلية لانتشار الخط العربي وكانت في عصر الإسلام، وتحديداً مع بداية رسالة الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم، فهو أول من عمل على نشر الخط العربي، وعندما نزل القرآن الكريم قاموا بتدوينه على خط الجْزم وسمي بالخط المكي، وكانت أول مدرسة للكتابة في الإسلام بعد معركة بدر عندما طلب النبي من الأسرى المشركين تعليم صبيان المدينة المنورة الكتابة. وقد عرف العرب في بداية الإسلام نوعين من الخطوط وهما: الخط الحجازي والذي كان يسمى بالخط الدارج، وكان يستخدم بكتاباتهم بشكل يومي نظراً لليونته، فهو يُكتب بشكل عشوائي نظراً لعدم خضوعه لأي قواعد، وبالتالي لم يتم كتابة المصاحف به، أمّا الخط الثاني فهو الخط الكوفي، والذي يعد أساس الخطوط العربية كلها، وكان كتّاب الوحي يكتبون به الآيات القرآنية على سعف النخل دون همزات وتشكيلات، وقد تمت الكتابة به في العصر الراشدي أيضاً.
أما في العصر الأموي، فقد تطور الخط العربي تطوراً نوعياً، حيث قام أبو الأسود الدؤلي بوضع الحركات الإعرابية للخطوط، كما وضع النقاط على الحروف لتمييز الحروف المتشابهة عن بعضها، ولذلك أصبحت النقطة جزءاً لا يتجزأ من الحرف العربي.
وأما في العصر العباسي، فقد تابع الخط العربي تطوره وتفرع إلى أحد عشر نوعاً وهي: الديباج، والسجلات، والزنبور، والجليل، والعهود، والاسطوحار، والخرفاج، والمدمرات، والقصص، والسجلات، والمفتح.
ما هي أنواع الخط العربي ؟
إن ظهور الخط العربي وتنوع أشكاله جاء نتيجة مرونة الحروف العربية وسهولة انسيابها، واختلاف أقلامها، ووضوح أشكالها، فمن خلال تنوع أشكال الخط العربي أصبح لكل خط قواعده الخاصة التي تتحكم به، وبعد توسع مجال الخطوط العربية وتشعبها، أصبح المبدعين والمهتمين في هذا المجال يتسابقون في إبتكار أشكال للحروف وتكوين خطوط جديدة.
للحديث عن أنواع الخطوط العربية لن ننتهي أبداً، فيوجد المئات من أنواع وأشكال الخطوط العربية، ويتفرع أغلبها لأنواع وأشكال أخرى، لكن عند الحديث عن أي خط بشكل عام لابد أن يشمل هذا الخط ثلاث صفات مهمة وهي على الترتيب : وضوح قراءة الخط وفهمه، سهولة كتابته، جمال منظره. ومن أشهر هذه الخطوط العربية :
الخط الكوفي
من أقدم الخطوط في بلاد العرب، وقد عُرف الخط الكوفي بهذا الاسم لأنه انتشر في مدينة الكوفة في العراق أولاً ثم انتشر في أنحاء مختلفة من العالم الإسلامي وكان مصاحباً لإنتشار الإسلام، ووصل الخط الكوفي فى العصر العباسي إلى مكانة عالية نتيجة إهتمامهم به وإبداعهم في رسمه وشكله، كما أنهم أضافوا له الكثير من فنون الزخرفة، ويمثل الخط الكوفي مظهراً من مظاهر جمال الفنون العربية، وقد تسابق الكُتّاب فى تطويره وتفننوا فى زخرفة حروفه، وذلك لأن الفنان العربي والمسلم وجد فيه المرونة والمطاوعة ليتمكن من التماشي من شكل جميل إلى شكل أجمل.
خط الرقعة
وهو خط عثماني حديث نسبياً، حيث قام العثمانيون باستخدامه منذ القرن التاسع الهجري، ثم اشتهر بعدها ونال على إعجاب الكثيرين وذلك لأن الناس احتاجوا لخط يمتاز بالسرعة في الإنجاز والبساطة والجمال وينسجم مع حركة اليد الطبيعية، فوجدوا خط الرقعة يحقق هذه النتائج، ولأنه أيضاً يُعد تطوراً للخطوط القديمة التي لم تخضع للقواعد، حيث يُعد خط الرقعة من أبسط الخطوط العربية وأقلها تقييداً فلا يوجد به الكثير من التحسينات الشكلية والتزيينات، ولا يحتوي على الكثير من الميلان والتدوير في حروفه، ولكن كونه بسيطاً هذا لا يعني التقليل من شأنه فهو من الخطوط الجميلة وله قوانينه وقواعده كما لباقي الخطوط العربية الأخرى.
خط النسخ
هناك معلومات قليلة وبسيطة عن تاريخ وأصل خط النسخ، فيقال أن الفضل كان لابن مقلة الشيرازي في وضع أسس هذا الخط وهو بذلك يعود إلى أوائل القرن الرابع الهجري، وقد ساهم في تطوير خط النسخ بعد ابن مقلة العديد من الخطاطين الأتراك والعرب وصولاً إلى الفترة المعاصرة. إن لفظ كلمة “النسخ” قديم، وقد ذكر فى القرآن الكريم، وعرفها العرب، وارتبطت بالكتابة، وقد سمي هذا الخط بخط النسخ أو النسخي أو خط النساخ، ويرى العلماء أن خط النسخ تم اشتقاقه من الخط الكوفي.
يتميز خط النسخ بسهولته وانسيابية حروفه، فهو خط سهل القراءة والكتابة، ويعد من الخطوط الجميلة إذا أتمّ الخطاط ضبط قواعده، كما يتميز بتناسق حروفه وكلماته، فالحروف في خط النسخ تتقارب في حجمها نسبياً.
استُخدم خط النسخ في كتابة المصحف الشريف بعد الخط الكوفي، ويعتبر خط النسخ من العناصر المهمة في زخرفة التحف المعدنية على الخشب والجص وغيرها من المنتجات الفنية الإسلامية.